{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِيْنِ }
لا شكَّ أنك سَمِعت أو قرأت هذه الكلمات مِن قَبل, ولكنْ هل تأمَّلتها وعَمّقت التفكيرَ فيها؟ الكثيرون ربما لم يعرفوا: مَن قائل هذه الكلمة !
إنها مِن كلام النبيّ إبراهيم عليه السلام، ألقاها على مَسامِعِ قومِه الذين عطّلوا عقولَهم فعبَدوا الأصنامَ الحجَرية والأوثانَ الخشبية, فحاوَرَهم وحاوَل تحريكَ عَجَلةِ تفكيرِهم، وتزييتَ عقولَهم التي جمّدَها صدَأُ التقليدِ الأعمى للأشخاص.
هل يستوي الأعمى والبصير؟! أم هل تستوي الظلماتُ والنور؟!
كلنا يعرف أهمية العين وحاسّة البصر -وزيارتك لصفحتنا هذه على الإنترنت يدل على عِلْمِك بتلك الأهمية- ولكنْ هل نَتذكّر مَن أهدانا هذه النعمة المهمة؟!
الذين يزورونني في العيادة يكونون عادة مرضى بحاجة إلى علاج أعينهم وأنا أرحب بهم وأَسْعَد بعلاجهم, ولكني بحاجة إلى مساعدتهم لينجح العلاج... نَعَم صَدِّقني!
شَرْط نجاحِ العلاج هو أن نَفهم معنى الكلمة السابقة التي نقلها القرآن الكريم عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: { وإذا مَرِضْتُ فهو يَشْفِيْنِ} [سورة الشعراء: الآية 80], وأن نَتذكّر أنَّ الذي وَهَبنا الحياةَ والنِّعم التي منها الحواسّ والتفكير: هو الله تعالى، وعندما نقع في مرض فإن الله يمتحن صبْرَنا، ويَختبر إيماننا.
فالمرض "مُنَبِّهٌ" يوقظنا من النوم العميق الذي نَغْرق فيه... بين العمل والدراسة والملذّات والطموحات و... بين الآمال والآلام. فيجيء المرض ليذكّرنا بأننا نحتاج إلى الله, ورغم ذلك نقصِّر في عبادته وفي شُكْرِ نِعَمه، وحتى حاجاتنا التي هي من الله وحده: نقصّر في طلبها منه! في الوقت الذي تتعلق قلوبنا بالطبيب والدواء وننسى ربنا!
وسأضرب مثلاً يقرِّب الفكرة - ولله المثل الأعلى-: لو كنتَ تحتاج إلى بيت تسكنه، فبعث إليك والدُك مفتاح بيتٍ فَخمٍ هديةً بيد أحد الأشخاص، ومن شدة فرحك بالَغْتَ في شُكر حامل الهدية، ورُحْتَ تخبر الناسَ بفضله... وهذا كلُّه خَير وحُسن خُلُق، ولكنك نسيتَ الأوجَبَ عليك وهو شكر والدك الذي أضاف إلى فضائله الكثيرة هدية جديدة!
الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أمَرنا أن نتداوى إذا مرضنا؛ فقال: " تداوَوا يا عباد الله، فإنّ الله لم يضَعْ داءً إلا وَضع له شفاءً، إلا داءً واحداً: الهَرَم", ونحن الأطباء رسالتُنا خدمتُكم, ولكن الأهمّ هو أن تكون صلتُنا بالله (الذي يَمْلِك وَحْده الشفاء) صِلةً مباشرة, فعندما نشرب الدواء أو القطره في عيوننا نعلِّق قلوبنا وأملنا ورجاءنا بالله وحده, ونقول { بِسم اللهِ الرحمنِ الرَّحيم } وندعو الربّ: " اللهم ربَّ الناسِ أذْهِب البأس، واشْفِ أنتَ الشافي, لا شفاءَ إلاَّ شفاؤُك، شفاءً لا يُغادِر سَقَمًا".
نتذكر درس إبراهيم: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِيْنِ} إنه " الدَّرس الْمُشترَك" المقرِّر مِن كل الأنبياء والرُّسُل! ألم تَسْمَع قولَ نبي الله الكريم عيسى عليه السلام وهو يؤكِّد للناس أن معجزاته العظيمة كلَّها من ربه وخالقِه؛ فيقول:
{ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [سورة آل عمران: الآية 49]. واقرأ إنْ شِئت الحوار الذي وقع بين إبراهيم وقومِه ونقله القرآن حرفيًا في [سورة الشعراء الآيات من 69 إلى 85 ]:
( { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ}{ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} { قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} { قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ} { أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} { وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} { وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}{ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ}{ وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}).